اعتراف #ar_confessions_450

أنا يا طويل العمر من وانا صغير وقلبي دايمًا فيه شي ناقص، بس ما كنت أعرف شنو هو بالضبط، تربّيت في بيت ما ينقصه شي من برا، أبوي معروف ومهاب، وأمي ما تقصّر بشي، عايشين في فيلا دورين وكل واحد فينا له غرفته وسيارته، بس البيت كان بارد، بارد مو من الجو، لا، بارد من المشاعر، من الكلام الطيب، من الضحكة، من الحنان، من أي شي ممكن يخلي الواحد يحس إن له قيمة.

كبرت وأنا أخاف أقول اللي في خاطري، دايمًا ساكت، ساكت لدرجة صارت الناس تفكرني غبي، أو ثقيل دم، وأنا والله العظيم كنت أحرق من جوّه، بس وش أقول؟ مين يفهم؟ أبوي ما كان يكلمني إلا إذا أخطيت، وكان دايمًا صوته عالي، وأمي دايمًا مشغولة في عمرها وجمعتها وصديقاتها وسفراتها، وكنت كل ما أحتاج شي أضطر أكتب ورقة وأحطها على طاولة المطبخ: "ممكن تعطيني مصروف زيادة؟"، "أنا تعبان، ما بروح المدرسة"، "خلصت كتب المادة"... وهكذا.

مرت سنين وأنا أصير مثل الجدار، موجود، بس ما أحد يحس فيه، حتى يوم تخرّجت من الثانوي بمعدل عالي، ما أحد حضنّي، ولا قال لي "فخورين فيك"، بس أمي كتبت بوست في انستقرام: "الحمد لله، ولدي تخرج"، وكتبت بعدها كلام كله إنشائي، ما له دخل بواقعنا، وأنا شفتها تكذب قدام الناس وتبكي عالكاميرا، وأنا جالس جنبها آكل تبّولة ساكت.

دخلت الجامعة بس ما كنت أعرف شنو أبي أدرس، اخترت تخصص ما أحبه، بس قلت دام أبوي يبيه خلاص، يمكن يعطيني اهتمام لو مشيت على اللي يبيه، بس ما اهتم، ولا حتى سألني عن درجاتي، ومرت السنين وأنا أضيع، أضيع أكثر، وأبدأ أحس إني عايش بجسد مو جسدي، أتكلم بكلمات مو كلماتي، أضحك ضحكة مو ضحكتي، ألبس لبس ما يعجبني، وأروح أماكن ما أحبها، عشان بس الناس تقول "ما شاء الله ولد فلان مميز"، وأنا كنت أكره اسمي، أكره صورتي، أكره كل شي له علاقة فيني.

كنت أجلس بالساعات في غرفتي بدون لا أتكلّم، ولا أتحرك، بس أناظر السقف، وأتخيل نفسي شخص ثاني، شخص عادي، مو مجبور يكون كامل، شخص يبكي إذا ضاق، يضحك إذا فرح، يصرخ إذا انقهر، مو مثلي، اللي كل شي فيه لازم يكون مضبوط.

تعرفت على بنت بالجامعة، كانت أول شخص يحس فيني، كانت دايمًا تقول لي "أنا أحس فيك، حتى وانت ساكت"، ما كنت أصدق بالبداية، بس هي كانت تكمل جملة كنت ناوي أقولها، كانت تناظرني وتعرف إذا اليوم مزاجي زين أو تعبان، حبيتها من كل قلبي، يمكن لأنها أول شخص صدق شافني، مو سمع عني، شافني.

بس مثل ما دايمًا يصير، الحلو ما يكمل، أهلي عرفوا بعلاقتي فيها، وصارت حرب، أبوي صرخ، وأمي بكت، وقالوا لي كلام كسرني: "هاذي مو من مستوانا"، "تبغى تلعب فيك"، "تخرب اسم العايلة"، وكل الأشياء اللي تتخيلها، وحلفوا علي إني أقطعها، وصارت تبكي هي وتترجاني، بس ما قدرت أقف قدامهم، خفت، جبُنت، تخلّيت عنها، وقلبي صار مثل الورق، يتقطّع كل يوم، ومن ذاك اليوم وأنا فقدت كل شعور.

صرت أدور عن الحُب بأي مكان، جرّبت أدخل علاقات كثيرة، بس كلهن كانن فاضيين، يحكوا عن نفسهم، عن صورهم، عن متابعينهم، وأنا جالس أضحك، وأسولف، وأدفع، وأجامل، وأنا جوّاي فراغ بحجم مدينة كاملة، يمكن حتى أكبر.

بديت أشرب، مو كثير، بس كفاية يخليني أنام بدون كوابيس، وجرّبت أدخن، حتى وأنا كنت أكره ريحته، بس صرت أقول: "على الأقل يعبي وقت"، ودخلت بعالم الليل، والسهر، والعلاقات السطحية، وكنت أحاول أضحك، بس عيوني كانت دايمًا تفضحني، وكل ما أروح بيتي، وأقفل غرفتي، أرجع للواقع، وأجلس، وأكتب بملاحظات جوالي كل شي ما أقدر أقوله، يمكن لو أحد فتح جوالي يوم، بيشوف حياة كاملة ما أحد عرفها.

وفي ليلة، كنت تعبان حيل، جلست على سريري وقلت: "ليه؟ ليه أنا عايش؟ ليه ما أنتهي؟"، وكتبت رسالة طويلة، طويلة جدًا، فيها كل شي، كل شي كنت بكتمه سنين، وقلت: "بكرة الصبح بنهي كل شي"، بس سبحان الله، وصلتني رسالة من رقم ما أعرفه، "تذكّر إنك مهم، حتى لو ما حسّوا فيك، الله يشوفك"، كانت من بنت كنت ساعدتها مرة بالجامعة بنسخ ملاحظات، هي تذكّرتني، وأنا كنت بنسى نفسي.

هذيك الرسالة كانت مثل النور، يمكن مو كبير، بس خفّف منّي، وخليّني أوقف، وأفكر، وقلت يمكن... يمكن باقي أحد ممكن يحس، يمكن مو كل شي انتهى، يمكن أنا لسا أقدر ألقى نفسي.

ومن وقتها قررت أغيّر، شوي شوي، بدأت أكتب لنفسي، أشتري أشياء أحبها، أقول لا إذا ما أبي، أزور ناس يضحكونني، وأبعد عن اللي يعطونني إحساس إنّي مو كافي.

أنا ما تعافيت للحين، ولسا أحيانا تجيني نوبات بكاء بدون سبب، ولسا أحلم بوجهي وأنا صغير، بس على الأقل الحين... صرت أعرف إني أستحق حياة حقيقية، مو تمثيلية قدام الكل، وأتمنى يوم ألقى شخص يسمعني للآخر، بدون ما يقاطع، بدون ما يحكم، بس يسمعني... ويمد لي إيده، يقول: "أنا معك".
تاريخ الإرسال: 2025-07-14 - 13:12:31
تمت الموافقة: 2025-07-14 16:12:46
عدد المشاهدات: 10

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.