اعتراف #ar_confessions_452

أنا الإنسان اللي من برّا بيبين عليه إنو مرتّب، ناجح، ومبسوط، بس من جوّا فوضى، عاصفة ما بتهدى، كل يوم بصحى وأنا تعبان منّي، من وجهي، من صوتي، من فكري، من جسمي، من حياتي كلّها، كلّشي فيني بيصرّخ "تعبت"، وأنا بعمل حالي طبيعي، بلبس نفس القميص، بنزل عالشغل، بسلّم عالناس، وبضحك الضحكة اللي ما فيها روح، بس ما حدا بيحس، ما حدا بيسأل، أو يمكن هني ما بدن يعرفوا، لأنو الناس ما بتحب تشوف الحقيقة، بتحب تشوف القناع.

أنا كنت الولد الشاطر بالعيلة، الأول عالصف، اللي كل الأقارب بيقولوا عنه "هاد رح يطلع شي كبير"، وأنا صدّقت، اشتغلت عحالي، تعبت، ضحّيت، ما عشت مراهقة حقيقية، ما طلعت مع أصحاب كتير، ما جربت أغلب شغلات الشباب، كلّشي كنت أعمله بحساب، كل خطوة محسوبة، مشان ضل "المثالي"، "المحترم"، "القدوة"، لحد ما صار عمري ٢٥، وكنت حامل شهادة ومعدّل عالي وشغل محترم، بس أنا من جوّا كنت فاضي.

اللي ما حدا بيعرفه إنو أنا من وقت الجامعة كنت أعاني من نوبات هلع، فجأة بدق قلبي بسرعة، بضيق نفسي، بحس إني عم موت، كنت أهرب من المحاضرة، بروح عالمكتبة بس مشان أتخبى، أو بسكر باب الحمّام وبيقعد أتنفّس ودموعي نازلة، وبعدين برجع كأنو شي ما صار، ولا مرة حكيت لحدا، لأنو أنا "القوي"، "العاقل"، اللي ما لازم يخاف، حتى أهلي ما كنت أقدر أحكي معهم، لأنو إذا قلت شي، بيرجعوا يقولوا "شدّ حالك، اتوكّل عالله"، أو "بلا دراما".

بعد التخرج اشتغلت بشركة منيحة، بس كانت مليانة منافقين، مدير نرجسي، وزملاء بيضحكوا بوجك وبيطعنوك بظهرك، كنت كل يوم برجع عالبيت وأنا بدي أفجّر حالي من القهر، بس بكبت، بكبّت كل شي، لأنو إذا حكيت أو اشتكيت، بيقولوا "أحمد ربك، في ناس ما عندها شغل"، وكأني أنا غلطان لأنو عندي مشاعر.

بفترة من الفترات، صار عندي صديقة بالشغل، كانت كتير هادية، محترمة، بتسمعني، وبتفهمني، وأنا وقعت، وقعت بكل معنى الكلمة، حسّيت إنو يمكن هي اللي رح تنقذني، صرت أنتظر كل يوم بس لحتى أشوفها، نحكي، نشرب قهوة سوا، نضحك، نشكي لبعض، بس ما صار بيناتنا شي، وأنا ما قلتلها إني بحبها، كنت خايف، يمكن لأنو أول مرّة بحس، ويمكن لأنو تعوّدت أخاف.

بيوم من الأيام، إجت عالشغل وعينها حمرا، عرفت بعدين إنو خطبها شب من برا، وكان حبيبها القديم، وهنّي رجعوا لبعض، وبدو يسافروا سوا، ضحكتلها وباركتلها، وهي فرحت، وأنا انكسرت، حسّيت إنو شي جوّا صدري انسلخ، بس ما بكيت، متل العادة، كبّت، وبهديك الليلة شربت لحالي أول مرّة، وأنا أصلاً ما كنت أشرب، بس كنت بدي شي يمحي اللحظة.

من بعدها بطّلت حس بشي، صار كلشي رمادي، ما عاد فرقت معي الحياة، صحابي قلّوا، أهلي صرت بس بشوفهم لما بدهم شي، وكل شي حواليا صار متل الضجيج اللي ما إلو معنى، حتى جسمي بلّش يتعب، صار يوجعني ظهري، معدتي، راسي، وبلّشت روح عالدكتور وارجع كل مرّة بنفس التشخيص: "أنت سليم"، بس أنا كنت متأكد إنو في شي غلط، بس مو بالجسد... بالنَفس.

حاولت أعمل علاقات، أرجع أحب، أرجع آمن، بس كل شي كان سطحي، الناس صارت تافهة، بتحكي بس عن التيك توك والسوشال ميديا، وأنا كنت بدي حدا يمسكني من قلبي ويقلي "أنا معك، إحكي"، بس ما لقيت، كنت إذا حكيت لشخص إنو فيني اكتئاب، يقوللي "ما تبالغ"، أو "خد لك إجازة وبتتعدل"، وكأنو الحزن ملف بتسكره.

من فترة، كنت بالمول، شفت شبّ صغير عم يركض ويلعب، ويضحك من قلبه، ضليت أراقبه ربع ساعة، وأنا عيوني عم تدمع، لأني شفت حالي فيه، شفت الولد اللي كنت عليه، اللي كان عنده أحلام وأماني وألوان، قبل ما تصير الحياة رمادية وتدفنني، صرت كل يوم بتمنّى لو كنت بقدر أرجع لورا، بس مو مشان أغير شي، بس مشان آخد حضن، أو أسمع "أنا بحبك متل ما إنت".

اليوم عمري ٣٢، وبكتب هالحكي وأنا قاعد بغرفتي، عندي وظيفة، راتب منيح، سيارة، بيت صغير لحالي، بس ما عندي أنا، ما عندي قلبي، ما عندي هويتي، ويمكن... ما عندي سبب للعيش، أنا كل يوم بصحى منّوم، بروح عالشغل منّوم، برجع منّوم، وبنام منّوم، وكل شي حواليا ساكت، وأنا ساكت، وصرت أخاف من الصمت لأنو صار يحكي عني أكتر مني.

أنا اليوم ما عم بطلب شي، لا شفقة، ولا نصيحة، ولا دعم، أنا بس بدي أفضفض، لأنو يمكن إذا حدا قرأ هالحكي، يعرف إنو في ناس متلي، وإنو مو غلط تكون تعبان، وإنو مو ضعف إذا بكيت، وإنو مشكلتنا مو إنو ما بنحب الحياة، مشكلتنا إنو الحياة ما علمتنا كيف نحب حالنا.

وهذا كل شي، وما بعرف إذا في أكتر، بس إذا قرأت للآخر، فشكراً، لأنك سمعتني، حتى لو بصمت.
تاريخ الإرسال: 2025-07-14 - 13:15:35
تمت الموافقة: 2025-07-14 16:16:01
عدد المشاهدات: 8

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.