اعتراف #ar_confessions_408

أنا بنت، يمكن من برا نبان قوية، تضحك، تحكي، تشارك صور عالإنستغرام، ترد على ستوريات الناس بكلمات حلوة... بس من جوا، فيني فراغ ما عمره امتلى، كأنّي جدار فيه شق ما بينسد، وبيكبر كل ما مرّ يوم.

أنا خلقت على صوت الرصاص، على ريحة البارود، على صورة أمي وهي واقفة على باب البيت تودّع أبويا اللي ما رجع. كان بطل، وهيك الكل بيقول، بس ولا مرّة حسّيت إنو البطولة بتعنيلي شي... البطولة ما عوضتني حضنه، ما غطّتني بعبايته وقت كنت أبرد، ولا حملتني عكتافه بعيادتي. مات، وانتهى، وأنا بقيت.

من وأنا صغيرة، كنت شوف البنات يحكوا عن آباءهم... واحدة أبوها جابلها هدية، وحدة أبوها وصّلها، وحدة أبوها حضر تخرجها. وأنا؟ أنا كنت أقعد عالكرسي وأتفرّج... ما كنت أحكي، ما كنت أبين، بس جواي كانت روحي تصرخ: "ليش أنا؟"

صديقاتي ما فهموني، يمكن لأنه وجهي دايمًا حزين، أو يمكن لأنه كل مرّة يحكوا عن عائلاتهم، أسكت وأسرح. بدوا يتجنّبوني شوي شوي، صرت حسّ إنهم بيحكوا عني، إنهم ما يحبوني أشاركهم بشي. مو لشي، بس يمكن لأني حزينة زيادة، تقيلة عالجو، ما بعرف أضحك من قلبي.

في المدرسة، ما كنت أحب الفرص، ما كنت ألعب. أقعد لحالي، أراقب البنات وهنّ بيضحكوا، وأنا أتمنى لو في بنت وحدة بس تقرب، تسألني: "ليش دايمًا ساكتة؟"

كبرت، والحزن كبر معي. حتى أمي، كانت غرقانة بالحياة، بالشغل، بالحزن تبعها. كانت تطبخ وتغسل وتروح وتيجي، بس ما عاد تلمح وجعي. ما عاد حدا شافني.

وفي ليالي طويلة، كنت أبكي، أبكي على حضن ما حضنّي، على ضحكة ما سمعتها، على رجل كان لازم يكون سندي، بس صار قبر بعيون الناس، وصورة معلّقة عالحيط. كنت أحكي مع صورته، أسأله: "لو كنت عايش، كنت راح تحبني؟ كنت راح تحميني؟ كنت راح تكون جنبي لما البنات يهمسوا ويضحكوا بدون ما أفهم؟"

أوقات كنت أمشي بين الناس وأحس إني شفّافة... محدا يشوفني، محدا يسمعني، بس أنا أشوف الكل. أشوف كيف الحياة مكملة عادي، كأن موت أبويا ما حرّك فيها شي. كأن الوحدة اللي غرقتني، هي موجة مرّت وما حد انتبه إنها غرّقتني.

أنا هلأ شابة، بس البنت الصغيرة اللي جواتي لسا واقفة عباب البيت، تستنى حضن أبوها، تستنى صديقة تمدّ إيدها وتقلها: "أنا جنبك، ما تهتمي". لليوم، ما إجت هاي اللحظة... ولليوم، بعدني بستناها.
تاريخ الإرسال: 2025-07-12 - 14:57:49
تمت الموافقة: 2025-07-12 17:57:57
عدد المشاهدات: 9

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.