يا زلمة… أنا كنت مفكّر إني من الناس اللي بضل ورا صحابي، بدافع عنهم، بوقف معهم، وبضحك معهم من قلبي، حتى لما كنت مكسور… حتى لما كنت أنا محتاج حدا يوقف معي، كنت دايمًا بقدمهم على نفسي. ما كنت أتوقع يوم يجي وأكتشف إنهم ما بحبوني، وإنهم بس بتحملوني من باب المجاملة… أو يمكن من باب الشفقة… يمكن حتى أنا مش عارف ليه.
كلشي بلّش لما صرت ألاحظ إنهم بطلوا يعزموني مثل قبل، صاروا يجتمعوا لحالهم، يطلعوا سوا، يعملوا قروبات لحالهم… وأنا؟ أنا آخر من يعلم. بديت أضحك مع حالي على الموضوع، أقنع نفسي إنه “يمكن نسيو، يمكن ظروف، يمكن سوء تفاهم”، بس الحقيقة؟ الحقيقة إني كنت أعمى. كنت أعمى عن نظراتهم، عن نبرات صوتهم، عن البرود اللي بزيد كل يوم… ولما أواجههم؟ يبتسموا… يضحكوا… يتصرفوا كأنه ولا إشي صار، كأنه أنا المخرف.
وفي مرة من المرات… دخلت بالغلط على قروب واتساب كان المفروض ما أشوفه، بس واضح إنهم نسيوا يحذفوني، وبلشت أقرأ… ضحك، تعليقات، نكات باسمي… وصفوني بثقيل الدم، قالوا إني دايمًا بشتكي، وإنه وجودي بينغّص عليهم القعدة، وإنه ما عندي كارزما، وما بفهم بالمزاح… واحد منهم كتب: "خليه يحضر، بس بالله لا يطول، عالسريع ومنمشي." وقلبي… قلبي وقتها نزل من محله.
تعرف شو أصعب إشي؟ مش إنه الناس تحكي عنك، الكل بيحكي عن الكل، بس إنه الناس اللي ضحّيت علشانهم، دافعت عنهم، دفعت من مصروفي بس علشان أفرحهم، الناس اللي حملت أسرارهم، وشلت همومهم، يطلعوا هم نفسهم اللي بيتمنوا إني ما أكون موجود.
في مرة، واحد منهم كان بدو يتهجم عليه شب بالشارع، أنا تدخلت، وانضربت محله، وضلّيت أيام وأنا أتعالج من الضربة، وما حد منهم حتى سألني “كيفك؟”، وبعدها رجعت أضحك معهم وكأنّي مش زعلان، بس كنت بضحك عشان ما يبين الوجع، عشان ما أضعف.
أكتر من مرة كنت أحس حالي ثقيل، مش مرغوب، بس كنت أكذب على نفسي، أقول "ماشي، يمكن تعبانين"، أو "يمكن أنا حساس زيادة"، بس اللي صار خلاني أتأكد… المشكلة مش فيهم، المشكلة إني كنت حاببهم زيادة عن اللزوم، كنت أشوف فيهم إخوة، وهم كانوا شايفيني مجرد وجود لا أكثر… شخص بيكمل العدد.
من بعدها بطلت أطلب القرب من حدا، صرت أهرب، صرت أخاف أفتح قلبي، لأنه قلبي اتكسر مرة، بس الكسر مش عادي… كسر مع خذلان، كسر مع دموع ما شافها حد، كسر مع ليالي نمت فيها وأنا عم ببكي وبسأل “ليش؟ شو عملت؟”، وولا مرة لقيت جواب.
والله ما عمري تمنّيت أكون محبوب من الكل، بس كنت أتمنى أكون صادق بمحبة ناس كنت أحسبهم سندي… ولليوم، كل ما أسمع ضحكة بمجموعة، أو أشوف قعدة شباب، بتذكر، بتذكر إني كنت دايمًا أضيف نكهة للجو، بس بالنهاية… كنت دايمًا الغريب.
مش بس اكتئبت… أنا فقدت ثقتي بالناس، وكل مرة حد بيقرب مني، بخاف… بخاف أرجع أصدق، بخاف أرجع أقدّم وأعطي وبالأخير ألاقي حالي لوحدي… بضحك عشان ما أبين محطم، بس الحقيقة؟ أنا محطم من جوّا، ومش قادر أصلّح.