يا زلمة، خليني أحكيها بصراحة وبدون لفّ ودوران… أنا بكره الصُحوة بدري من كل قلبي. يعني حرفيًا، أول ما يرن المنبّه الصبح بحسّ كأني داخل معركة مش مستعد إلها، وبس أفتح عيوني بكون حاقد عالدنيا كلها… عالدوام، عالشمس، حتى عالسقف فوقي.
كل يوم نفس المعاناة… المنبه برن، بطنّي مقطوع من القهر، راسي بيوجعني، وجسمي رافض يتحرّك، وبظلني أساوم: “خمس دقايق كمان”، “بعدين بفيق”، “شو بصير لو تأخرت؟”، وبس أتذكر اني لازم أروح عالشغل أو الجامعة أو أي التزام، بحس روحي بتنخز، كأني مجبر أعيش حياة مش إلي.
واللي بقهرني أكتر؟ الناس اللي أول ما تصحى بترن عليك وبتحكي بصوت عالي وهي فرحانة، وكأنهم شاربين جالون كافيين من الفجر. هدول الناس بحسهم كائنات فضائية. كيف بتصحى وبتحكي وبتبتسم بنفس الوقت؟! أنا ببقى لسه مش عارف أنا بحلم ولا صاحي، وهم بيخططوا يومهم.
والله لو الخيار بإيدي، ببدّل كل نظام الحياة… نشتغل بالليل، نعيش بالليل، نتحرك بالليل، نحب ونتنفس ونفكر وننتج بالليل… والنهار؟ النهار يضل للنوم، للراحة، للسكون، للغرق بالحلم. الشمس هاي اللي بتضرب بعيني كل يوم الصبح، بكرهها، وبحسها بتحاسبني عشان لسه ماني صاحي.
أنا جسمي نشيط بالليل، مخي بيشتغل أكتر، حتى مزاجي بيتعدل. لما الدنيا تهدى، والناس تنام، أنا ببلش أعيش. الشوارع فاضية، الضو خافت، الجو هادي، وكلشي بيصير أريح. لو تشوفني بعد منتصف الليل، بتفكرني شخص تاني… صاحي، مبسوط، وإلي مزاج أحكي، أكتب، أفكر… بس الصبح؟ أنسى، ما تحكي معي، ما تلمسني، ولا حتى تبصّ علي.
كل حياتي عبارة عن محاولة أركّب مزاجي على جدول ناس تانية، على نظام ما اخترته. بس أنا من جوّا، مؤمن إنه إحنا المفروض نعيش بعكس هاد الكون المقلوب. ليش يعني لازم نكون منتجين وإحنا نعسانين؟ ليش النوم مش هو النشاط الرئيسي؟ ليش ما يكون الليل هو البداية مش النهاية؟
يا ريت… يا ريت الحياة كلها تبدأ من الساعة 9 بالليل، وكل إشي بعدها، وبالنهار منقلب وجهنا عالفرشة، بدون تأنيب ضمير، بدون ساعة منبّه، بدون إزعاج، بدون شمس بتقرّص بعينك وتقولك "يلا تأخرت".