اعتراف #ar_confessions_454

أنا من الناس اللي ما بيظهر عليهم التعب، يعني اللي بيشوفني بيفكرني مرتاح، مرتّب، ضحوك، بس الحقيقة إني عايش بحالة من الضياع يمكن محد عرفها غير ربّي، أنا لبناني، من ضيعة صغيرة، تربّيت بين أهل بيحبوني من برّا، بس من جوّا كل حدا فيهم عنده حرب، وكنت أنا متل الساتر، يرموا عليّ كل شي، يشتكوا، يصرخوا، يشيلوا همومهم فيني، وأنا ساكت، متل ما ربّوني، الولد ما بيحكي، ما بيشتكي، ما بيبكي، وهيدا اللي صار.

كنت الوحيد بين إخواتي اللي كنت دايمًا محطوط تحت المجهر، كل شي بعمله بيشوفوه، كل غلطة بيكبروها، كل حركة بيحاسبوني عليها، يعني ما كان عندي مجال أكون عفوي، كنت مجبور أكون مثال، أكون عاقل، أكون الكبير، حتى لو ما كنت الكبير بالعمر، كبرت بسرعة، لدرجة نسيت كيف كنت أضحك وأنا صغير، بتذكّر مرة، كنت عم بلعب بالحارة مع ولاد الجيران، وقعت وانجرحت، وركضت عالبيت، فتحت الباب، عم ببكي، قاللي بيي: "خلصنا بكى؟ الرجال ما بيبكي!"، من وقتها، حبست دمعتي جوّا، وصار الوجع عادة.

بالمدرسة كنت شاطر، مش لأني بحب الدراسة، بس لأني كنت بدي يسمعوني، يحسّوا فيني، بدي علامة حلوة تخلّيهم يقولولي "برافو"، بس ما كانوا يقولوا، كانوا ياخدوا العلامة كأنها واجب، كأنها شي مفروض، حتى لما طلعت من الأوائل مرة، ما حدا حضنّي، ولا حتى قال لي "أنا فخور فيك"، وكل اللي قالوا: "نيح، هيدا المطلوب"، وأنا قلبي انكسر، حسّيت إني مش كافي، ولا رح كون.

كبرت، وبلّشت حس إني ما بعرف شو بدي، درست هندسة لأنو هني بدهم، مش لأني كنت بحبها، ولما خلّصت، بلشت اشتغل، صرت آكل الصبح، أشتغل بعد الضهر، وسهر بالليل، وكل الوقت بحاول إقنع حالي إنو هيدا الطبيعي، إنو هيك لازم نعيش، بس كنت كل يوم برجع عالبيت وأنا فاضي، صوت راسي أعلى من صوت التلفزيون، وأفكاري بتوجّعني أكتر من تعب الشغل.

تعرفت ع بنت من الجامعة، اسمها ميراي، كانت ملاك، طيبة بطريقة مش معقولة، كانت تسمعني، كانت تحكي معي كأنها بتشوفني من جوّا، حبيتا، حبّ ما حدا بيعرفه، كانت لما تضحك، الدنيا تروق، ولما تزعَل، قلبي ينقهر، كأنو حزنا واحد، ضليت سنيتين عم حبّها بصمت، ولما تشجعت وقلت لها، ابتسمت وقالتلي: "أنا بحسّ فيك، بس أنا مخطوبة"، وما قدرت حكي، ما قدرت لومها، بس من وقتها وأنا فقدت شي، فقدت أمل كان عايش فيي، ومن ساعتها، ما رجع.

بلشت إقضي وقتي بالليل بالسهر، مرات لحالي، ومرات مع ناس ما بيعرفوا عني شي، كنت أقعد معون وأضحك، أعمل حالي مبسوط، بس الحقيقة كنت عم شرب بس لأنسى، لأنسى إني تعبت، لأنسى إني عم عيش حياة ما بتشبّهني، لأني لما أصحى، كل شي بوجي بيصرخ "إنت مش هون".

أهلي صاروا يسألوني: "ليش عم تتهرّب؟"، "ليش ما بدك تتجوز؟"، وكنت أتهرّب، بس الحقيقة إني ما كنت قادر أكون مع حدا وأنا مش قادر أحب حالي، مش قادر حب شخص وأنا ما بعرف حتى شو بحس، كنت خايف جب بنت عالبيت وتعيش نفس اللي أنا عشتو، بيت كله مظهر، بس من جوّا خرِب.

من شي سنة، صار معي شي قلَب كل حياتي، كنت ماشي بالسيارة، وتعرضت لحادث، سيارة صدمتني، وقضيت أسبوعين بالمستشفى، بها الأسبوعين، ولا حدا من أهلي نام جنبي، ولا حدا حتى مسك إيدي، كانوا يجوا، يشوفوني، ويمشوا، الوحيد اللي قعد معي كان شاب ما بعرفو، كان بالمستشفى عم يزور خالو، ومرق من جمب غرفتي، وسمعني عم أبكي، فات، وجلس، وما حكينا شي، بس وجوده، كان أحن من كل العيلة، هالشخص الوحيد اللي ما سأل، بس بقي.

وقتها قررت إنو أنا لازم أهرب، مش من الناس، من هيدا الشكل من الحياة، جمّعت مصرياتي، وطلعت ع جبال الشوف، استأجرت بيت صغير، قعدت شهر، بلا تليفون، بلا أخبار، بلا ضجيج، أول أسبوع كنت ببكي كل يوم، ببكي بصوت، كأني عم فرّغ عمر، كنت أقعد عالشباك واتطلّع عالضباب، وأكتب، أكتب متل المجانين، كل شي جوّا طلع، وكنت لأول مرة حس إنو قلبي عم ينبض.

هلّق رجعت، بس مش أنا، رجعت على نفس الشغل، بس بعينين جديدات، صار عندي جرأة قول "لا"، صار عندي جرأة قول "تعبان"، وقوّة أترك الطاولة وأمشي، بطّلت مثالي، وبطّلت كامل، بس بلّشت أكون إنسان، يمكن مكسور، بس صادق.

وهيدا اعترافي، مش لأنو بدي شي، بس لأنو صار لازم أقول، صار لازم حدا يسمع، حتى لو مش رح يرد، بس يمكن يقرأ، ويحس، ويعرف إنو في ناس متلي... ناس عم يضحكوا، بس قلبهم صارلو سنين عم يبكي بصمت.
تاريخ الإرسال: 2025-07-14 - 13:18:19
تمت الموافقة: 2025-07-14 16:18:33
عدد المشاهدات: 8

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.