اعتراف #ar_confessions_470

أنا ما كنت ناوي اوصل لهون، بس الشغل والظروف و"الفرصة" خلتني أنجرّ، أنا واحد من الناس اللي كل يوم بفيق وبروح عالشغل عادي، بوقع كرت الدوام، بحكي صباح الخير، وببلّش نهاري مثل أي موظف، بس في سر، سر ما عمره طلع، سر لو حد عرفه ممكن حياتي كلها تنقلب، بس لحسن حظي، محدا قدر يفك الشيفرة لهلا، لأنه اللي بعمله مبني على نقطة ضعف، على ثغرة بنظامهم المتهالك اللي عاملين حالهم مبرمجينه بطريقة ذكية وهو مليان بلاوي، وكل شغلي من خلال ثغرة صغيرة بنظام الطلبات.

الموضوع بلّش بالصدفة، كنت جوعان ووقتها ما كان معي ولا قرش، وما بدي أمد إيدي لحدا، وخصوصاً لزملائي اللي أغلبهم يا إما بخيل أو مشغول بحاله، دخلت على النظام أدور ع طلب قديم ناقص تمويل أو صارله ريفوند بس ما اكتمل، لقيت فجوة، ثغرة غبية محدا منتبه إلها، بتخليني أعمل طلب صغير بقيمة 6.7 دينار مثلًا، مش واضح بالمحاسبة، وبينحسب ع إنه خصم أو فرق صنف، بطلع الطلب وبروح على الكافيتريا أو بنفذه كاش، ما حدا بعرف، بعمله باسم وهمي أو موظف قديم مش مفعل، وبالواجهة كله تمام.

أول مرة عملتها حسّيت بتأنيب ضمير، بس لما شفت الوضع طبيعي وما حدا سأل، سكتت، وتاني يوم عملتها كمان، وصارت عادة، جزء من روتيني، صار كل يوم بـأخذ منه سندويشة، كاسة شاي، باكيت دخان، أحيانا باص، وبالكتير بتوصل لسبعة أو تمان دنانير، عمري ما تجاوزت العشرة، بحس كأني عم بسحب "حقّي" من شركة ما بتقدّرنا، من قسم مالي ناسيك، من مدير مو شايف فيك غير توقيع وتقرير.

مرة صار موقف خلاني أتجمد من الخوف، المحاسب المسؤول عن الكاش لاحظ فرق 9.25 دينار، وبلّش يراجع الطلبيات، كان قلبي رح يوقف، بس لأنه الثغرة عاملة الطلب بشكل شرعي على السيستم، ما قدر يوصل لشي، شكّ انه خطأ إدخال أو نسيان تسليم صنف، مرق الموضوع، وأنا يومها رجعت عالبيت وعرقي بارد، ما نمت، كنت متأكد انها نهايتي، بس مرّت.

صار عندي إدمان، مش عالفلوس، بس عالإحساس إني فوق النظام، إني أقدر آخد حاجتي بدون ما حدا يعرف، بدون ما أطلب من حدا، صارت طريقة بقاء، مش مجرد سرقة، وأحياناً بضحك لحالي وأنا شايفهم يحكوا عن أمان النظام، وأنا عارف إنه ولا واحد فيهم بعرف شو بصير، لأنه كل إشي بعمله محسوب بدقة، لا بترك أثر، ولا ببالغ بالمبلغ، ولا بعملها بنفس الطريقة مرتين ورا بعض.

الغريب إني مرات بكون عم بساعد زميلي وهو مش عارف إني قبل ساعة كنت آخذ سندويشة نفس اللي جابلي ياها من المصرف تبعهم، وبضحك على حالي من جوا، بقول "أنا اللي دافع يا غشيم"، ومرات بتخليني هاي الحركة أحس إني قذر، وحقير، وبلا ضمير، بس شو أعمل؟ مرات ما بقدر أعيش بدونها، خصوصًا لما يكون الراتب رايح على القروض والأقساط، وبيضل معي 3 دنانير طول الأسبوع.

أنا مش فخور، بس مش ندمان، لأني بعرف لو الشركة كانت بتقدّرنا، وبتحسبنا بشر مش أرقام، ما كنت لجأت لهالطريقة، بس لما تعيش كل يوم بين ضغط وشح وناس ما بتشوفك إلا رقم وظيفي، بتصير تدوّر على زاوية تنفّس فيها شوي، ولو كانت رمادية، لو كانت مش قانونية، المهم تنفّس، المهم ما تروح للهاوية.

بس مرات، لما بكون لحالي، ببطل أشوف الموضوع لعب أو تكتيك، ببطل أحس بالقوة، ببطل أضحك، بقول: "أنا حرامي، ولو على خفيف"، وبخاف، بخاف ييجي يوم تنكشف كل اللعبة، مش عشان ينفصل أو ينحبس، بس عشان الناس اللي حواليا يشوفوني زي ما أنا شايف حالي لما أكون قدام المراية... صغير، ضعيف، وجبان.
تاريخ الإرسال: 2025-07-19 - 18:26:24
تمت الموافقة: 2025-07-19 21:26:34
عدد المشاهدات: 7

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.