اعتراف #ar_confessions_472

كنت بوقتها ولد، مش فاهم الدني ولا مدرك قديش تصرف بسيط ممكن يلاحقك طول عمرك، كنت 15 سنة، وكنت كتير بروح عند جارنا صاحب المخبز، بحبني وبيعاملني زي إبنه، ودايمًا يقلي "خليك هون شوي بس أروح أجيب غرض وبرجع"، وبيتركني لحالي بين الخبز والمصاري والدخان والريحة الزاكية اللي بتغري حتى الكبار.

يومها تركني كالعادي، وأنا واقف وبتطلع حوالي، عيني راحت عالدرج اللي فيه الفكة، فيه شوية دنانير هيك ملفوفين بورقة، وكان في صمت غريب، وحرارة، وقلبي بدق، مش من الخوف، بس من لحظة الحسم، لحظة اللي فيها بقرر أكون محترم زي ما علمني أبوي، أو أمد إيدي وآخذ.

ومديت.

خدت ورقة فيها 5 دنانير، ومشيت كأني ما عملت شي، وحطيتهم بجيبي كأنهم حقي، روحت البيت، صرفتهم على شغلات تافهة، شبس، بيبسي، ودخان، وخلصوا بليلة، بس الوجع اللي تركوه جواتي لهلا ما خلص.

بعد أيام شفت *** هو بيعد المصاري، وقال قدامي: "في فرق بسيط، بس يمكن غلط عدّ"، وأنا وقفت متجمد، حسيت الأرض بلعتني، ولساني ما نطق، ولا حتى قلتله "أنا آسف"، ما قدرت، كنت جبان، ومذنب، وخايف.

مرت السنين، كبرت، اشتغلت، وقابلت مية شخص بحبني، بس ولا مرة حسّيت إني قدّ حال ثقة أي حدا فيهم، دايمًا عندي هاجس إني ممكن أكرر غلطتي، مع إني ما عدت سرقت بحياتي، بس ضميري، ضميري لليوم بعاقبني، كل ما أشم ريحة خبز طازة، أتذكر الورقة الخضرا، والخمسة دنانير، والصمت اللي صار يصرخ جواي.

فكرت مليون مرة أروح وأقوله، أعتذر، وأدفعهم، بس بخاف، مش منو، من نفسي، من لحظة الاعتراف، من اللحظة اللي فيها أشوف نظرة خيبة بعينه، نظرة "كنت مفكر إنك غير هيك".

بحاول أكفر عن غلطتي بكل طريقة، بتصدق كتير، بمشي جنب الأطفال وأعطيهم مصاري، بتصدق لأي عامل بشوفه، كأني بحاول أرجّع الخمسة دنانير اللي سرقتها، بس ما بتكفّي، لأن اللي سرقته مش بس ورقة نقد، سرقت جزء من نفسي، من برائتي، من ثقة راجل طيب في ولد صغير.

وكل ليلة، لما أسند راسي عالمخدة، بحس صوتي الداخلي بيقلي: "إنت مش سارق، إنت ندمان... وهاد بحد ذاته عقاب".
تاريخ الإرسال: 2025-07-19 - 18:34:03
تمت الموافقة: 2025-07-19 21:34:07
عدد المشاهدات: 19

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.