اعتراف #ar_confessions_517

انا بعترف، وبصراحة يمكن هالحكي يطلعني انسان وضيع بس هو الحقيقيه اللي بتهرب منها من سنين، انا موظف موارد بشريه، ماسك ملفات الناس ودواماتهم واجازاتهم وانذاراتهم، ومع الوقت صرت اشوف الدنيا كلوحة تحكم وانا اللي بحرك الأزرار، بعرف مين بتأخر ومين بيدخن عالسلم ومين كاتب بوست ساخر عن الشركه ومين بده سلفه ومين مديون وبينام وهو مفزوع، واللي عندي مش بس وصول للملفات، عندي نفوذ عالمدير، وبعرف ثغرات النظام، وبعرف كمان قدّي الناس بتجهل القانون وبتخاف من كلمة “اجراء إداري”، انا كنت استمتع، اه والله كنت احس بنشوة غريبه، شعور سيطره وهيمنه، لما موظف يجي ع مكتبي ويترجاني ما اكتب بحقه انذار تالت، او ما ارفع عنه توصيه بالفصل، وهو يحكي “عندي عيله وولاد”، وانا من جوّا يطلعلي صوت خسيس بيقول: شوف كيف صار مصير بيته مربوط بتوقيعك، وكنت اوقّع، احيانا بطره، واحيانا اخليه يدوّر ع حاله بالشركه مثل البائس لحد ما يستسلم ويكتب استقاله “برضاه” اللي انا رتّبتها، وبحكيله “افضل الك، بتطلع بصورة نضيفه”، الصورة النضيفه اللي انا وسختها مسبقا، مره كان عندي شب ملتزم بس لسانه طويل، بيحب يعلق ع القرارات بصاله الاجتماعات، بذك اليوم رجعت على مكتبي وكتبتله تحذير انو خالف تسلسل الأوامر، وبعدها عملتله تقييم اداء فيه جمل منمقه بس كلها سامّه: “غير متعاون، مزاجي، يخلق جو سلبي”، هو ما كان هيك، بس انا بكتب “انطباعات” بتصير حقائق، وبعدها بطلوا يعطوه مهام مهمه، صار ينسحق، صار يغلط، صار ملفه “يدعم” الورقه اللي انا كتبتها، وبالآخر طلع، وانا تاني يوم نمت نومه هاديه وانا حاس اني انتصرت، مره ثانيه بنت كانت حامل، بتتعب وبتأخر، القانون بعطيها حقوق، بس انا لعبت على الهامش، كل تأخير اسجله دقيقه بدقيقه، وكل تقرير طبي افتش فيه على ملاحظات، واذا ما لقيت “تناقض” اخترعت سؤال مسموم “ليش التاريخ غير مطابق لختم العياده؟” مع اني بعرف السيستم عندنا بخربط، بهديك الفتره ضغطت عليها لحد ما طلبت اجازه بدون راتب، وانا كتبت توصيه “تعذر تكيّفها مع ضغط العمل”، كانت توصيه قصدي فيها تنفّر اي مدير من قبولها بعدين، لاني كنت وقتها مع مدير بدو يخفّض الرواتب وهي كانت أعلى من المعدل، مره ثالثه واحد عليه أقساط وبده سلفه، وانا “إجرائياً” بقدر أرفع عاللجنه، بس حطيتله شرط ضمني: “حاول تمسّك حالك وما تعمل ضجه”، وبعد اسبوع عمل مشكله صغيره مع مشرفه، انا كبّرتها بإنذار جسيم، ووقّعت سلفته “مرفوض”، وطلع من مكتبي وهو وجهه شاحب، يومها حسّيت حالي مالك رواتب الناس، بقدر اتصدق او احرم، شعور قذر يعطي نشوه، وكنت بعاقب بعقوبات اعرف انها اوسع من نص القانون: احجز طلب اجازة يومين بدون مبرر واضح بحجة “ضغط العمل”، اجمد اضافه ساعات مستحقه بحجة “مراجعة”، اتهرّب من تحويله للتأمين لما يتعرض لاصابه بسيطه، ما اوقّع كتاب خبرة الا لما يجي “مرّن”، واحياناً اهمس لمسؤول التوظيف بمكان ثاني “خد بالك منه صعب” بس بكلام مُبهَم يخوّفهم، انا بعرف انو هاد كله يتجاوز اللي مسموح، بس بعلق الشماعه على كلمة “صلاحيات” والناس ما بترّكز، واذا سألوني بحكي جملة مرتبه “هذه اجراءات انضباطيه متدرجه”، متدرجه على مزاجي، كنت ألاحق تفاصيلهم: واحد طلب دوامه يصير صباحي لانه امه مريضه، اعطيتُه موافقه مؤقته شهر، وبعد شهر رجعته مسائي بحجة “حاجة القسم”، انا اللي حركت الحاجة، والولد تشردت دراسته، وبعدين صار يتأخر، وبعدين صرت املك حجه قويه لقص رزقه، مره موظف بسيط تعب منِّي، جمع شجاعته وراح ع المدير العام، طلّعت ملفه قبل بيوم، نظفته من أي شي يحرجه، خليته يروح نظيف قدامه عشان يبين كذّاب لما يحكي، المدير العام نظرله على انو درامي وبيبالغ، طلع وهو محروق، وانا ضحكت بقلبي، انا لعبت لعبة “السجل النضيف”، والسجل عندي انا، مره خالفت حتى نصّ واضح بموضوع الخصومات، القانون بحكي سقف معين، انا اخترعت بند “إساءة استخدام الوقت” وجمعت عليه ثلاث ورقات حضور وانصراف فيها ثواني قبل البصمه وبعدها، وبالآخر عملت خصم اكبر من اللي لازم، هو ما طعن، لانو بخاف، لانو بيجهل متى وكيف يشتكي، ولانو بيحسبني فاهم اكثر، وانا فعلا فاهم كيف ادوّر السكاكين بدون ما انجرح، بس كل هاللعب ترك وسخ بقلبي، صرت اقوم من النوم بشوف وجوههم، صرت اسمع صوت بكاء مكتوم براسي وانا ماشي بالممر، وانا بابتكر “سياسات داخليه” على قياسي: برنامج تحسين اداء خنّاق، نماذج استيضاح مسمومه بأسئله تجرّك للاعتراف، محاضر اجتماعات مكتوبه بانتقائيه تبين الشخص كمثير مشاكل، حتى دورات “قيمنا المؤسسيه” صرت استخدمها كشّاشة: اللي يحفظ الشعارات بنرفعه، واللي يسأل سؤال حقيقي بنكسر رقبته ببطئ، وبتذكر مره اجتمعو زملائي عليّ وقالولي “خلي عندك رحمه”، انا وقتها ابتسمت ابتسامة باردة وحكيت “انا بحافظ ع الانضباط”، بس بيني وبيني كنت عارف اني بربي وحش، وفي مرّات كنت اعمل خير بس منشان أحس بسلطة العطاء: وظفت واحد كان ابوه مريض، بس مو لأنو ابوّه، لأنو بدي اشوف عيونه وهو يشكرني كل مره يمرّ جنبي، كنت بدور ع شكر يشبع النقص اللي جواي، نقص عجيب، يمكن غيرة، يمكن شعور قديم بالاهانه صار بده يعوّض حاله، ويمكن، وهون الخوف، يكون مرض نفسي متغطي بكرفتة وسيستم ولوائح، انا اليوم بكتب، وانا حافظ ملامح ناس دخلت المكتب وطلعت منه على بيت مفجوع، وناس رضخوا وتعلمو يمشو جنب الحيط، وناس انكسرت وضلت تشكرني على “مرونتي” وانا اللي عصّبت حبالهم، اللي بيوجع فعلاً اني بعرف القانون، وبعرف حدود العقوبه، وبعرف واجبي كموارد بشريه اني اكون الحضن اللي بوازن بين مصلحة الشركه وكرامة الموظف، بس انا اخترت اكون عصا، اخترت اكذب ع حالي واحكي “انا بربّي”، وانا بالحقيقه كنت بهدم، لما الموظف الجريء وقف قدامي وحكى: “بتنام الليل؟” ضحكت، بس بالليل قلبي صفن، في صمت تقيل، في وجع، وانا بعترف اني كنت أزيد عقوبات، اخترع مسميات، استعرض سلطه، وأحط مصائر ناس تحت صبعي، وكنت انبسط، بس هلا وانا بكتب، في حرقة، في ندم مو ظاهر على وجهي بالشغل، بس بياكلني لحالي، وبعرف انو اذا ما قطعت هالسلسله ووقفت وحطّيت خط، رح اظل أختار الطريق السهل: السيطرة، واثمانها بتندفع من ظهور الناس ومن روحي انا كمان، ويمكن بكرا اصحى وأرجع على كرسيّي واقنع نفسي اني “منضبط” و”مهني”، بس بيني وبين نفسي بعرف اسمّي: متلطم باللوائح وبمارس تعسّف متغطي، وهاد مرض، مرض بلبس بدلة وبيحكي بلغه إداريه، بس يضل مرض، وأنا تعبت.
تاريخ الإرسال: 2025-08-19 - 07:36:36
تمت الموافقة: 2025-08-19 10:36:59
عدد المشاهدات: 145

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.