اعتراف #ar_confessions_642

ما بعرف من وين بلشت معي بالضبط، بس فكرة إني أكون لحالي بتخوفني لدرجة غريبة، مش خوف عادي لا، بحس جسمي كله بيشدّ، نفسي بصير ضيق، دقات قلبي بتسابق بعضها، كأني فعلاً رح أموت لو ضليت لحالي فترة، حتى لو دقيقة، بحس انو المكان بيسكر عليّ، والهواء بصير ثقيل، والسكوت بصير صوت مزعج لدرجة ما تنوصف.
من زمان وأنا هيك، حتى لما كنت صغير، ما كنت أقدر أنام إلا لما أسمع صوت حدا جنبي، حتى لو أمي نايمة بغرفة ثانية كنت أترك باب غرفتي مفتوح عشان أسمع صوت نفسها، كنت بضل أراقب ضو التلفزيون اللي جاي من الصالة، بس عشان أحس إني مش لحالي، يعني الفكرة اني أكون وحيد كانت بالنسبة إلي كأنها موت بطيء.
كبرت، وصرت أعيش لحالي فترات، بس المشكلة ما راحت، بالعكس، صارت أعمق، صرت لما أرجع من الشغل عالبيت وأدخل وأسمع الصمت، بحس المكان بيهاجمني، بحس الجدران بتقرب عليّ، فبفتح التلفزيون بصوت عالي حتى لو ما عم بشوف شي، أو بشغل أغاني بس عشان أسمع صوت، حتى مرات بحكي لحالي، بعمل حوارات مع نفسي بصوت عالي كأني بحكي مع حدا فعلاً، بس المهم ما يكون في لحظة سكون.
مرّة انقطعت الكهربا وأنا بالبيت، والله حسّيت قلبي وقف، صرت ألهث كأن حدا بيطاردني، رحت بسرعة فتحت باب الشقة، طلعت عالسلالم بس عشان أشوف جيراني، حتى لو ما حكيت معهم، بس أشوف وجه إنسان، وأحس إني مش لوحدي، يعني حتى لو في بعوضة بالبيت، والله بفضل وجودها عالفراغ، بحس الحشرة كائن حي، وجودها بيخليني أرتاح شوي، بحس إنو في حياة حواليّ، مش بس فراغ وصمت قاتل.
بالتلفون بحاول دايمًا أضل مشغول، بدردش مع الناس حتى لو الحديث تافه، المهم الخط ما ينقطع، حتى لو بملّ، بخاف أوقف الكلام، مرات بصير أبعث مسجات عشوائية لأي شخص بس عشان يردّ عليّ، أو أفتح لايف بإنستغرام وأحكي بدون هدف، بس عشان أشوف الناس عم يدخلوا، يحكوا، يضحكوا، أتفاعل، المهم ما أحس بالوحدة.
حتى بعلاقاتي، دايمًا بدخل فيها مش لأنو بحب، لا، لأني بخاف أكون بلا شريك، بخاف من الفراغ اللي بعد ما يسكر التليفون، بخاف من الغرفة الفاضية اللي بتستناني، فبدور على أي وجود، أي إنسان يحكي معي، يسمعني، حتى لو العلاقة غلط، حتى لو بتوجعني، المهم تملأ الفراغ، لأن الفراغ بالنسبة إلي أسوأ من أي ألم.
بتذكر مرّة سافرت لوحدي، كانت فكرة السفر لحالي حلوة أولها، بس أول ليلة كانت كابوس، الغرفة نظيفة ومرتبة، بس حسيتها مقبرة، صوت المكيف كان مخيف، والساعة اللي على الحايط صوتها كأنها دقات قلبي، كل ثانية كانت توجعني، فتحت التلفون وبلشت أحكي لأي حدا من اللستة، حتى لو ما ردّ، كنت أبعث فويسات، وأضحك غصب عني، بس عشان ما أحس أني غارق بهالفراغ، ولما طفيت التلفون بعد ما خلص الشحن، حسّيت الدنيا وقفت، ما قدرت أتحرك، ضليت فاتح عيوني طول الليل بس أستنى ضوء الصبح.
الناس بتفكر الوحدة راحة، بس إلي هي رعب، رعب كأنه شي بيزحف جوّاي، كأنك تسمع أصواتك الداخلية تصرخ، كأنك بتواجه كل شي حاولت تهرب منه بحياتك، الوحدة بتخليني أسمع صدى أفكاري اللي بخاف منها، بتخليني أحس قديش أنا ضعيف، بتعرّيني من كل شي، بتوريني نفسي عالحقيقة، وأنا مش قادر أتحمّل هالنسخة مني.
مرات بحاول أواجهها، بقول خلاص اليوم رح أقعد لحالي وأهدى، بطفّي كل شي، وبجرب أستمتع بالهدوء، بس بعد ٥ دقايق بحس الأرض بتتقل، وبصير بدور بأي شي أهرب فيه، أفتح تيك توك، أعمل مكالمة، أطلع من البيت، أروح كافيه حتى لو ما بحب الكافيه، بس عشان أشوف ناس، أسمع ضحك، أشم ريحة حياة.
اللي بيحكوا إن الوحدة ضرورية لتعرف نفسك يمكن عندهم حق، بس أنا بعرف نفسي كتير منيح، ويمكن مشكلتي إني بعرفها زيادة، يمكن عشان هيك بهرب منها، لأني لو قعدت لحالي فعلاً، رح أسمع كل الأصوات اللي بخاف منها، وأواجه كل شي حاولت أخبيه تحت الضجيج، بس يمكن الضجيج صار درعي الوحيد، والناس اللي حولي صاروا أوكسيجيني، لأنو إذا اختفوا... أنا فعلاً رح أختنق.
تاريخ الإرسال: 2025-10-21 - 10:31:18
تمت الموافقة: 2025-10-21 13:31:24
عدد المشاهدات: 11

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.