إعترافات سرية منصة توفر دعما نفسياً لكل صاحب تجربة , لكل باحث عن إجابة , لكل من يريد استفساراً .
اعتراف #ar_confessions_646
انا ما بعرف شو يعني اشفق على شاب، حتى لما بشوف واحد منهك، شغله قاتلو، أو وجهه مهدود من التعب، ما بحس نحوه بأي رحمة، بحس انه لازم يتحمل، لازم يشد حاله، لأنو ما حدا عطاني أنا فرصة وقت كنت بمكانه، ما حدا وقف معي وقال "الله يعينك"، بالعكس، كلهم كانوا يضحكوا، يشمتوا، أو يتجاهلوني كأني مش موجود. لما كنت صغير، كنت فقير لدرجة كنت احلم بصندويشة زعتر، كنت أروح المدرسة بأواعي نصها ممزق ونصها من أولاد الحارة اللي خلصوا منها، كنت بشتغل بعد المدرسة بمحل خضرة، وبعدين بمخبز، وبالليل بنام ريحتي طحين، وكل يوم كان في واحد يمرق يرمقني بنظرة شفقة مقرفة، ومن يومها قررت ما بديها من حدا، ولا بدي أعطيها لحدا.
كبرت، وتعبت، ودفعت كل شي من صحتي وعمري، اشتغلت بوظايف ما بيقبلها غير اللي ما عنده بديل، نظفت مخازن، اشتغلت بواب، اشتغلت بمصنع بلا تهوية، وانضربت، وانظلمت، وكل مرة كنت أقول لحالي "يوم رح ييجي دورك"، وفعلاً إجا، بس يوم وصلت ووقفت على رجلي حسّيت انو العالم بده ينقلب، الكل صار يطلب مني معروف، دعم، مساعدة، كلمة حلوة، وأنا جوّاي صار جاف، ما بطلع مني حنية، ولا تعاطف، يمكن لأن الحنية انحرقت جوّاي من كتر القهر اللي مرّ عليّ.
أنا بشوف الشاب اللي بيتذمر من شغله وبيقول "تعبت" وبيوقف بدخان الكافيه الفخم، وبضحك، مش شماتة، بس لأنو ما بيعرف شو يعني فعلاً تعب، ما بيعرف شو يعني تشتغل وانت جعان، أو تنام ببيت سقفه بيسرّب مي، أو تطبّق الليل عشان توفر أجار الغرفة، فكيف بدك أتعاطف معه وهو شايف الدنيا ظالمة بس لأنه دوام زيادة ساعتين؟!
أنا ما بشوف الشفقة شي حلو، بشوفها سمّ، بتضعف اللي قدامك، بتخليه يتعود على دور الضحية، وأنا ما بحب الضحايا، بحب اللي يكافح، اللي ينكسر بس يرجع يقف، اللي ما يستنى حدا يشيله، لأنو محدا شالني، محدا ساعدني، أنا بنيت نفسي من لا شي، من تراب الطريق، من القرف، من وجع الإهانة، فليش بدي أتعاطف مع حدا ما مرّ بهالطريق؟
بس رغم كل هالصلابة اللي بظهر فيها، في داخلي في شي بينغزني أوقات، لما بشوف حدا مريض فعلاً، أو عنده إعاقة، هون بس، قلبي بيحنّ، لأن هدول الناس فعلاً ما اختاروا ضعفهم، ما عندهم فرصة يثبتوا نفسهم بنفس الطريقة، أما غير هيك؟ لا، ما بحس، ولا بدي أحس، لأن العالم علمّني انه الشفقة تخلّيك أضعف، واللي يضعف يُدهس، وأنا قررت من زمان أكون دايمًا اللي يوقف، مش اللي يندعس.