اعتراف #ar_confessions_653

كنت صغير، يمكن عمري شي ٨ سنين، وكنت دايم اروح ع المخبز اللي تحت بيتنا، كنت بحب ريحة الخبز الطازة والضحكة اللي كان يرسمها صاحب المخبز بوجهه كل ما يشوفني، كان يحكيلي "تعال ساعدني شوي يا بطل" وأنا أفرح، أحس حالي رجال كبير، أدخل لجوه، أساعده أصف الخبز، أكنس شوي، وأحكي معاه… لحد اليوم ما بنسى أول مرة صار فيها الشي اللي غير حياتي كلها، كنت واقف قريب من الفرن، الجو حار والريحة طيبة، هو ضحك وقاللي تعال شوي لجوه، وأنا بثقة الطفل اللي ما بيعرف شي، رحت، و… من هون بدأت الجراح اللي ما سكرت ولا رح تسكر. ما فهمت وقتها شو صار، بس حسّيت بشي غلط، وجع وغُربة وخوف، رجعت البيت وأنا ساكت، وقلبي عم يدق بسرعة، ما حكيت لحد، كنت خايف، مش فاهم، وصار فيني شعور بالعار رغم إني كنت طفل ما له ذنب، ومن يومها وأنا كل ما أشم ريحة خبز أو أشوف مخبز، بحس شي بيخنقني، بيرجعني لهديك اللحظة. كبرت، بس الطفل جواتي ما كبر، كل مرة أتقرب من حدا، بخاف، بحس بخطر، مرات بنفر من اللمس، من الحنية، من القرب، كأنه كل شي حلو صار مرتبط عندي بالخطر، ما قدرت أعيش طبيعي. الناس بتشوفني شخص ناجح، ومرتب، بس محد بيعرف إني بليل بنام وبصحى على كوابيس نفس المشهد، ولا مرة حكيت، لا لأهلي، ولا لصاحبي، ولا حتى للطبيب، يمكن لأني خايف ينحكم عليّ، خايف يقولولي ليش ما حكيت؟ ليش سكت؟ بس الحقيقة إني ما كنت قادر، ما كنت فاهم، واليوم بعد عشرين سنة، لسه الصوت جوا راسي بيحكي "يمكن غلطتك"، رغم إني بعقلي بعرف إني كنت ضحية، بس قلبي مش راضي يصدق. يمكن أقسى شي إنك تعيش عمرك وأنت بتحارب ذكرى انت ما اخترتها، وأنا فعلاً تعبت من الحرب هاي، من الكتمان، من التمثيل إنو كل شي تمام وأنا من جوا متكسر، ما عاد بدي شي، بس بدي يوم واحد أنام فيه من غير ما يزورني الماضي، من غير ما أشم ريحة الخبز وأحس بخوف طفل عمره ٨ سنين ما كان لازم يعرف القذارة بهالعمر.
تاريخ الإرسال: 2025-10-23 - 09:44:18
تمت الموافقة: 2025-10-23 12:44:25
عدد المشاهدات: 6

ردود الفعل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

الإبلاغ عن الاعتراف

تم الإبلاغ عن الاعتراف بنجاح. شكراً لمساهمتك في تحسين الجودة.